النضال اللاعنفي وثقافة اللاعنف
إعداد-آلاء عبد الله
إن مبدأ اللاعنف ـ المعروف أيضاً باسم “المقاومة اللاعنفية”، يرفض استخدام العنف الجسدي لتحقيق تغيير اجتماعي أو سياسي. وهذا الشكل من أشكال الكفاح الاجتماعي، الذي كثيراً ما يوصف بأنه “سياسة الناس العاديين”، قد تبنته جماهير الناس في مختلف أنحاء العالم، في حملات ترمي إلى تحقيق العدل الاجتماعي.
وفي ظل موجة العنف التي تجتاح عالمنا العربي، ورائحة الدم والاشلاء التي تملأ حياتنا، لغتنا، إعلامنا ،ثقافتنا، سلوكنا؛ يبدو الحديث عن لغة اللاعنف نوعاً من الترف أو من الخيال. مع ذلك، هنالك أمثلة عديدة لدول وشعوب اختطت طريق ونهج اللاعنف في سبيل تحقيق أهدافها، ونجحت في ذلك.
غالباً ما يعتبر مهاتما غاندي، مؤسس حركة اللاعنف التي نشرت مفهوم (أهيمسا)، من خلال تحركاته وكتاباته، التي ألهمت نشطاء لاعنيفين آخرين.
لكم النضال اللاعنفي ليس عملا اعتباطيا، فقبل الشروع في أي نشاط لاعنفي ، يجب امتلاك الرؤية الصحيحة لطبيعة القوة السياسية التي سيواجهها، لما في ذلك من أهمية في رسم التكتيكات والاستراتيجية ، فالنظرة الخاطئة تؤدي الى الفشل ، والمعرفة كما يقول أوجست كونت : ” قوة .. إنها تعني أن نعرف, فنتنبأ, فنستطيع” .
ولا ننسى أن العنف السياسي فيه اعتداء على حق الحياة الذي نصت عليه جميع المواثيق الدولية، فقد ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إن “لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه” ونجد الأمر عينه في الاتفاقية الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، في المادة {6} الفقرة {1} “لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة ويحمي القانون هذا الحق ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي “.
من قصص النجاح التي يمكن ان نضيء عليها في سياق النضال اللاعنفي وثقافة اللاعنف:
في إحدى قرى الهند، كان هناك رجل يُدعى راجيف.
كان راجيف منذ صغره مؤمنًا قويًا بأهمية النضال اللاعنفي وقيم السلام والتسامح. وكانت قريته تعاني من توترات طائفية وصراعات مستمرة بين مجموعات مختلفة.
بدأ راجيف مهمته عندما كان في سن العشرينات. قرر أن يعمل على تغيير واقع قريته بطرق سلمية. بدأ بالقيام بجلسات حوار مفتوحة بين أعضاء المجتمع من مختلف الطوائف والأعراق، وقام بتنظيم أنشطة تعزز التفاهم المتبادل والاحترام.
واجه راجيف العديد من التحديات في رحلته، بما في ذلك المقاومة الشديدة من قبل بعض الأفراد، الذين كانوا يستفيدون من الصراعات لتحقيق مصالحهم الشخصية. ومع ذلك، استمر راجيف في عمله بإصرار وثبات.
توسعت دائرة نفوذ راجيف تدريجيًا، وبدأ العديد من الأشخاص في الانضمام إلى حملته من أجل السلام والتسامح. أقاموا حملات توعية للمجتمع المحلي حول أهمية التعايش السلمي والتنوع الثقافي.
بفضل جهود راجيف وزملائه، بدأت العقلية تتغير تدريجيًا في القرية. وبدأت المجتمعات المختلفة تتعاون فيما بينها في مشاريع تنموية مشتركة، وتمتنع عن استخدام العنف كوسيلة لحل نزاعاتها.
وصل صدى نجاح راجيف وجماعته إلى مستوى أوسع، حيث حازوا على اهتمام ودعم منظمات دولية وشركاء تنمويين.و تمكنوا من توسيع نطاق عملهم إلى مناطق أخرى تعاني من نفس التحديات.
في نهاية المطاف، تم تحقيق تحول كبير في القرية. حيث تحولت الصراعات السابقة إلى تعاون وتفاهم، وارتفعت مستويات التعليم والصحة وفرص العمل في المنطقة. أصبحت القرية نموذجًا يُحتذى به للنضال اللاعنفي وثقافة السلام.
تعتبر قصة نجاح راجيف وزملائه درسًا حيًّا في قوة النضال اللاعنفي، وقدرته على تحقيق التغيير الإيجابي في المجتمعات المعقدة. فبفضل التفاني والإصرار والقيم السامية، تمكنوا من تحويل صراعاتهم إلى فرص للسلام والتقدم.
ختاماً لا بد من التأكيد على أن العمل السياسي يجب أن ينصب على أهداف قابلة للتحقيق، من خلال الترويج للأفكار اللاعنفية، والعمل بالطرق السلمية، وإدانة كل من يدعو إلى خلاف ذلك ومن كل الأطراف، حتى نستطيع أن نقدم درساً يضاف إلى ما قدمته دول وشعوب أخرى سبقنا في هذا المجال واستطاعت عن طريق العمل السلمي، أن تتقدم وتخطو خطوات نحو الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة.